الاب رفعت بدر
العنوان مقتبس لكتاب صدر عن البابا فرنسيس، وتم نقله إلى اللغة العربية، بجهد من المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام، وهو سلسلة لقاءات أجراها الباحث الايطالي أندريا تورنيلي Andrea Tornielli مع رأس الكنيسة الكاثوليكية، ولا يعتبر في هذه الحالة «تعليما رسميا « وانما كتاب لمؤلف له صفة اعتبارية عالمية هو قداسة البابا.
تزامن نشر الكتاب مع «سنة الرحمة» التي انتعشت هذه السنة بالعديد من المبادرات العالمية، ولم تخلُ أية دولة منها ومن بصماتها، مثل مطعم الرحمة، وحدائق الرحمة، ولنا ومنها في المملكة نصيب.
الكتاب قصير في صفحاته، كبير في معانيه، وتم نقله الى 40 لغة حية ، ويجيب فيه البابا على تساؤلات الصحفي بالعديد من الشواهد والذكريات له في بلده الأصلي الأرجنتين. وهو دعوة إلى رجال الدين وإلى البشر بشكل عام أن يضعوا نصب عيونهم أنّ كرامة الإنسان، كل انسان، هي أساسية، وأن حاجة البشرية إلى الرحمة، تفوق أية حاجة أخرى، لا بل أن سدّ جوع الناس إلى الرحمة، سيجلب معه الخير والسلام.
أما إطلاق النسخة العربية للكتاب، فتم في احتفال ذي دلالة كبيرة في المركز الثقافي الملكي، وحضره حشد كبير من الرسميين الدينيين والمدنيين ومن مختلف أطياف المجتمع الواحد. وفضلاً عن كلمات الترحيب، من قبل المركز الكاثوليكي، كان هنالك نقاط بارزة، نجملها بخمس:
أولاً: مشاركة وزير الثقافة د. نبيه شقم، ذلك أنّ موضوع الكتاب، الرحمة، هو ثقافة قبل أن يكون إجراء مؤقتاً أو حباً للظهور. وإن كانت الجهات الرسمية في بلادنا قد نقلت بعض مكاتب مكافحة التطرف من وزارة الداخلية إلى وزارة الثقافة، فهي تدرك أن الشأن حضاري وتربوي ، وهو يدل على «الثقافة» التي تسود المجتمع وتجعل بعض أعضائه، بالتناغم مع المدارس التي يتعلمون بها متطرفين جانحين نحو العنف، أو مسالمين يتسلحون بثقافة التقبل واحترام الآخرين. وهكذا هي «الرحمة»، فهي ليست محصورة بأعمال خيرية ترعاها وزارة التنمية الاجتماعية، بل هي دلالة على ثقافة الشعوب، تبعاً لتنشئتهم بشكل عام وتنشئتهم الدينية بشكل خاص.
ثانياً: إن التنشئة الدينية تقول بأن الرحمة هي جسر من المعرفة والتعاون بين مختلف الأديان، وليست حكراً على دين معين. لذلك اشتمل حفل اطلاق «كتاب الرحمة» على متحدثين مسلمين ومسيحيين. وكان جلوس بطريرك القدس السابق فؤاد الطوال، الى جوار وزير الثقافة وكذلك دكتورة الشريعة نداء زقزوق، خير دليل على انتهاج طريقة جديدة في الحوار الديني، الذي لا يُبنى على حوارات ونقاشات عقائدية، وإنما على تعاون بين أتباع الأديان، على اتباع خط الرحمة منهجاً وحياة.
ثالثاً: حضر مؤلف الكتاب المشارك تورنيلي شخصياً. وهو ليس جديداً على الأردن، إذ زارنا مرافقاً لثلاثة بابوات في حجهم إلى أماكننا المقدسة في 2000 و2009 و2014. وكان يرتاد المركز الثقافي كونه استخدم كمركز إعلامي لثلاث زيارات. وهذه المرة مختلفة ومؤثرة، وقال لي بأنها فريدة من نوعها، ولم يحدث أن تم التركيز على كون الرحمة جسراً تعاونياً للأديان، مثلما حدث في الاردن.
رابعاً: مشاركة النشء الشبابي في إطلاق الكتاب. من تقديم موسيقى للاخوين قديس جورج وفادي الى أداء فيوليتا مخامرة الاوبرالي ، الى القاء الطالبة تيما محمّدية فقرة من الكتاب تسطِّر حاجة البشرية اليوم إلى الرحمة، ومن خلالهم كنت أنظر في المستقبل لأراه مبشراً بالخير. فما دمنا مجتمعا يربي أجيالاً تلو أجيال على النهل من التعاليم الصافية حول الرحمة وانعكاساتها الواقعية في الحياة، فنحن بخير، والحمد لله.
خامساً، بيّن الحفل الذي أبرزته وسائل الاعلام، بأنّ العمل التطوعي ما زال موجوداً، لذلك هو يستحق التقدير، فتم منح درع المركز الكاثوليكي لهذا العام لجمعية الكاريتاس الخيرية رائدة الرحمة في سنة الرحمة والتي تحتفل العام المقبل بخمسين سنة على تأسيسها في الأردن، وكذلك إلى كل من السيدين سلامة جدعون ومحمد بشتاوي على تطوّعهما في مراجعة الكتاب بالعربية، وكان البطريرك السابق ميشيل صباح قد أشرف على الترجمة العربية التي قام بها السيد منير بيوك من أسرة المركز الكاثوليكي.
حفظنا الله سالمين غانمين في ظل الرحمة ووالدتها المحبة.
[email protected]